top of page

الدورة الأوليمبية الشهرية

خارج حدود الادب.jpg

سامح مبروك يكتب "الدورة الأوليمبية الشهرية " من سلسلة خارج حدود الأدب.


​سر النجاح
ذهب شاب لسقراط يسأله عن سر النجاح، فطلب منه سقراط أن يلاقيه صباح اليوم التالي عند النهر، وفي الصباح كان الشاب في انتظار سقراط الذي سحبه من يده ليخوضا في الماء بينما يتبادلان أطراف الحديث، وعندما بلغ ماء النهر منهما الأعناق باغت سقراط الشاب بأن دفع رأسه تحت الماء، وراحت محاولات الشاب في مقاومة سقراط سدى، ولما شارف الشاب على الغرق واستسلم، سحبه سقراط خارج الماء، ولما وصلا شاطئ النهر، سأله سقراط: ما أكثر شيء كنت في حاجة إليه وأنت تحت الماء، أجابه الشاب بلا تردد: الهواء؛ فقال له سقراط: ذلك هو سر النجاح.

ليضع سقراط أسس المعادلة الكاملة للنجاح، فالرغبة وحدها لا تكفي، والسعي والجهد والعمل كلها عوامل وإن اجتمعت قد لا تؤدي إلى النجاح بالضرورة، بل إن النجاح هو نتاج رغبة حقيقة خالصة، تحرك صاحبها للتخطيط والبحث ثم العمل والاجتهاد والأخذ بكافة الأسباب، ثم الاستماتة لبلوغ الهدف، هنا وفقط تجد النجاح في نهاية الدرب.


أضغاث أحلام
كل أربعة أعوام في مصر ومع نهاية كل دورة أوليمبية، تعود التساؤلات من جديد لتقض مضاجع المسؤولين عن الملف الرياضي المصري؛ لماذا لا ننجح؟ وهنا يبدأ المسؤولون في نثر بذور الأحلام وتسويق الرغبة ومداعبة آمال شعب يتوق بل يستحق النجاح، بتاريخه وقدراته وطموحه وإمكاناته، هنا نجد الرغبة في النجاح قد تجلت وألحت، وتتسابق أذرع الدولة بخطى حثيثة في دعم هذا الحلم، وتلبية تلك الرغبة بمشاريع ذات أسماء رنانة، كمشروع البطل والأوليمبي وما شابهها حتى يأتي موسم حصاد جديد بعد أربعة سنوات، مع دورة أوليمبية جديدة.

فترى الملابس الأنيقة قد أُعدت لبعثة عملاقة، وفي كل دورة نفاخر بأن هذه البعثة هي الأكبر لمصر عبر التاريخ، وكأن زيادة العدد بلا هدف؛ نجاح بحد ذاته، وتنتشر على المنصات ووسائل الإعلام صور أبطال يحذوهم الأمل بعدما أدماهم الجهد والعمل، من أجل تحقيق الحلم الأوليمبي صعب المنال.

ولكن مع بداية كل دورة، يبدأ السقوط سريعًا، فيتساقط أعضاء البعثة في المنافسات بسرعة تساقط الأقنعة عن السادة مدمني السقوط في كل دورة، ولكن في هذه الدورة (باريس ٢٤) كان السقوط مدويًا، بل إنه بدأ قبل بداية المنافسات، لنكتشف جميعًا أن أحلامنا هذه المرة، ككل مرة ما هي إلا أضغاث أحلام.


تغيرات فسيولوجية
فما إن انتشرت الصور الأولى لأعضاء البعثة، حتى انتشرت فضيحة الدراجات المدوية، ولم تكن الفضيحة في تعمد لاعبة إيذاء زميلتها، بل كانت الفضيحة فيمن دفعها لفعل ذلك، ومن دعمها، ومن اختارها، ومن أصر عليها، ومن دافع عنها، فكل هؤلاء مدانون بمحاولة القتل العمد بلا شك، ولم تكن الضحية هي اللاعبة الأخرى، بل كانت الضحية هي أحلام شعب، وفي لحظة شعرت الجماهير بالانتصار حينما انتصرت إرادتها، ولكن سرعان ما أتت مساعي المسؤولين الحثيثة، بجلسات الصلح العرفي في رأب الصدع ما بين الفتاتين، ولكن الجرح الذي أصاب الشعب في ثقته نحو القائمين عن رياضة كتلك لم يجد من يضمده بقرار واحد.

وتبدأ البطولة، ويبدأ حفل الوداع الكبير، كل دقيقة منشور عن لاعب ودع، ويتراقص المسؤولين على نغمات (وداع بوداع وإيه يعني). فهذه احتلت المركز 63 من أصل 64 متسابق، وهذا احتل المركز 61 من نفس العدد، حتى نبتلى ببلية جديدة، ودائما ما يكون شر البلية ما يضحك، فنفاجئ بمن ودعت دون أن تشارك، لأنها استبعدت لزيادة الوزن، وتتضارب الأخبار ويبدأ التراشق، لتسمع أن السبب في نصف فرخة مشوية، بل إنه السفر، بل هي تغيرات فسيولوجية، سنحاسب، سنحقق، سنعاقب، ليخرج أحد اللاعبين ليربط بين الميزان والفرخة ليتهم القائمين على بعثة الملاكمة باستخدام ميزان فراخ غير دقيق!! يالها من فرضية جدلية.

هل انتهينا من الفكاهة عند هذا الحد، أبدًا؛ فقد تحولت أخبار الدورة لمادة خصبة للتنمر والتندر بين براثن رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ولإحقاق الحق لم يبخل علينا ممثلي المسرحية تلك، فهذه تعلن مشاركتها وهي حامل في الشهر السابع، أي فسيولوجيا تستعد للوضع في أي لحظة، وهذا المركز الإعلامي ينشر جدول المنافسات مع توقعات مسبقة بفشل اللاعبين المصريين، إخفاقات متتالية لا يعلم خباياها إلا الله.


اللقطة
ولكن مع هذا الزخم الهزلي، لا ينفك المسؤول العظيم عن اقتناص اللقطة، أيًا كان موقعه أو موقفه أو دورة، فمع كل بصيص أمل، ولو كان خافت في نهاية نفق أطول من أعمار قوم نوح، يطل علينا المسؤول في فيديو عظيم وهو متوتر ومتحمس ومنفعل ومقفهر ثم منتعش ثم منبهر ومن ثم منتشي بنصر لم يساهم فيه إلا باللقطة.

فالتاريخ والأرقام والإحصاءات وعلم الذرات، يشهد أننا أبدًا لم نحقق نجاحا في هذه البطولة عن طريق عمل جماعي مؤسسي منظم، بل كل النجاحات على ندرتها كانت حالات فردية، وإن قفز عليها ألف مسؤول.


معادلة مبتورة
تبقى معادلة أرسطو للنجاح الأوليمبي في مصر مبتورة، فأبدًا لن تجتمع الرغبة الملحة عند جميع أطراف المنظومة مادامت الأغراض الشخصية والمجاملات والمواءمات تحكم بأحكامها، وإن وجدت الرغبة عند لاعب، سيمنعه بالتأكيد عائق ما في نفس المنظومة عن العمل، أو ربما عن المشاركة ككل، فمتى نلقي نظرة واحدة بجد وأمانة على معادلة أرسطو لعلنا ندرك ولو لمرة واحدة النجاح؟ وحتى لا تكون تعليقات الجماهير عن مشاركاتنا في الدورات الأوليمبية دومًا خارج حدود الأدب.

logo%20samih%20mabrok2.png
  • White LinkedIn Icon
  • White Facebook Icon
  • White Twitter Icon
  • White Instagram Icon
bottom of page