top of page

جديد وحصري

جديد وحصري

إيه -العرس- الحلو دا؟

إيه العرس الحلو دا.jpg

سامح مبروك يكتب " إيه -العرس- الحلو دا؟ " من سلسلة ترندات وتوباكو*.

صديقي العزيز .. ما دمت قد صادفت هذه السطور، وبدأت في قراءتها، فأنت على وشك الاطلاع على واحدة من أشد القصص سرية ومأساوية عبر كل العصور، القصة المحرمة لإحدى القرى التي كانت في زمن من الأزمان ملء السمع والبصر، بل كانت قِبلة لمن أراد علمًا أو مالًا أو شهرة أو حتى تسلية، ولكنها قبل كتابة هذه السطور بقليل بارحت مكانتها تلك، وراحت تتدحرج إلى أسفل هوة الزمن حتى كاد أهلها أن ينكفئوا في الحضيض.

 

دعني أقص عليك الأحداث من نهايتها...

 

فقد قرر أكابر عزبة ولاد البياضين أن يقيموا عرسًا كبيرًا تتحاكى به العزبة، وكل القرى المجاورة، وذلك بعدما استشرى في أهالي العزبة ولسنين الجوع والفقر وضيق الحال، مما منح الحزن والعوز والاكتئاب إقامة كاملة بل جنسية في تلك العزبة، كان أهل العزبة على مر السنين الماضية يشاهدون كبراء عزبتهم يستنزفون مواردها وأراضيها وخيراتها في بناء باخرة نيلية جديدة، وعلى الرغم من أن الأهالي الفقراء لم يفهموا يومًا السبب وراء بناء الباخرة تلك ومرسى العزبة الذي يطل على نهر النيل يعج بالقوارب والبواخر النيلية الصغيرة إلا أن الكبراء استمروا في بناء صرحهم العظيم، وسخروا الغالي والنفيس من أجل هذه الغاية، وراحت أبواقهم في الشوارع تنوح:

ستكون أكبر وأحدث باخرة تبحر في النيل.

سيكون الصاري أعلى صارٍ بين كل بواخر النيل.

ستحتوي أكبر مصلى في باخرة على الإطلاق.

ستحتوي على غرف فاخرة لكبراء العزبة وخلفائهم.

 

كانت رحى الدعاية تدهس آذان الناس بالأكبر والأغلى والأطول، وتدهس من تحتها أحلام البسطاء، إلى أن أتى يوم الافتتاح المنشود، الذي سينقل عزبة ولاد البياضين من حال إلى حال، ولهذا السبب، قرر أكابر البلد تنظيم حفلًا بل سموه عرسًا تحتفل فيه القرية بعهدها الجديد، وتم دعوة كبراء البلد ووجهائها لحضور العرس على متن الباخرة وأهل القرية من فوق العشش والبيوت الصغيرة التي تحيط بالمرسى منذ زمن، ولم تنلها رياح التطوير على الإطلاق.

 

في بداية الحفل خرج على الحضور كبير متعهدي أفراح ومآتم وحفلات العزبة "الديب أبو اللباليب" وزوجته الحيزبون "جميلة البرص" لتقديم فقرات الحفل:

- النهاردة يوم مش أي يوم، النهاردة كلنا هنرقص ونغني ونفرح، بعد تعب وصبر وكفاح، عمدتنا الغالي بيهديلنا الباخرة النيلية الجديدة، اللي بيها هنرفع كلنا راسنا قدام العزب والنجوع اللي حوالينا.

- النهاردة ولاد البياضين بيروحوا في حتة تانية وتالتة كمان.

- النهاردة يا فرحنا بعمدتنا وما حدش قدنا، يالا مع أول فقرات الحفل مع أشهر صييت في البر كله "حمادة الأخنف"، وإيه العرس الحلو دا؟

 

ليأتي صوت الصييت الأخنف اسمًا وفعلا من خلف الستار:

- إيه العرس الحلو داااااااا؟

- أيه الباخرة الجامدة دييييييي؟

 

ليصعق الحضور بمشاهدة حمادة الأخنف الذي طالما ادعى الفحولة والرجولة يعتلي المسرح بقميص شفاف لا يشبه قمصان الرجال في شيء بل يشبه قمصان نوم السيدات -الأشد إثارة منها-، وفي أذنيه قرطين، وظل يتمايل كالممسوس، وهنا تعالت الأصوات من فوق عشش البسطاء تصيح:

- الله يرحم الرجالة.

- يا ريتها كانت خلفت فرخة.

- انزل ياد يا بت من عالمسرح لآجي اجز راسك من على صدرك.

 

ووسط الصياح المتعالي من جموع البسطاء، تعالت الهمهمات من صفوف كبراء العزبة على متن الباخرة النيلية الجديدة، ليضطر معها الديب وزوجته لقطع فقرة الأخنف وإرغامه على مغادرة المسرح غير مأسوفٍ عليه، ليعلن بعدها الديب عن الفقرة الثانية للصييت المعروف محمد فقوسة، الذي يخرج على الناس بطلته السمينة، ويتطوع قبل الغناء ليقول:

- أنا فرحان أوي إننا في عزبتنا الحبيبة بنفتتح المشروع العظيم دا، وإني معاكوا النهاردة في حضور عمدتنا صاحب العرس الكبير دا، وطبعًا يا حبيبي ما ننساش كلنا فضل اخوتنا في كفر ولاد مسعود اللي ساعدونا في بناء الصرح العظيم دا، واللي ديمًا كنا بنتعلم منهم الأخلاق.

 

من جديد ازداد الصخب والصياح في مدرجات المشاهدين صابين جم لعناتهم على هذا الفسل الجاهل ناكر الجميل، وعلى الرغم من ذلك تجاهل المنظمون هذا الغضب العارم ليتمم فقوسة فقرته، ويخرج تصحبه لعنات الحضور كافة، قبل أن يخرج من جديد الديب وزوجته الحيزبون يقول:

- يا جماعة شوية شوية .. إحنا جايين ننبسط .. الراجل ماغلطش في البخاري يعني، مش هننكر المجهود والنجاح الكبير دا، ونركز في كلمتين صغيرين، وخلونا نفتكر أن إدارة الاحتفال الحكيمة استبعدت الغزية إياها اللي أنكرت فضل ولاد البياضين، وقالت ان شهرتها كانت في كفر ولاد مسعود وكمان مارضيناش نجيب الغزية اللي كل يومين عاملة مشاكل مع جوزها عشان الصداع، خلونا ننبسط ودلوقتي اللحظة المنتظرة ندعو حضرة العمدة أنه يشعل شعلة انطلاق الباخرة النيلية الجديدة إعلانًا لافتتاحها وتشغيلها الرسمي فليتفضل حضرة العمدة.

 

هنا قام العمدة من كرسيه المهيب ليمسك بالقداحة الذهبية التي أحضرت خصيصا لهذا الاحتفال، ويقدح النار لإشعال شعلة الباخرة الجديدة، والقلوب كلها معلقة بتلك اللحظة المنتظرة التي سيكتبها التاريخ كبداية جديدة لعزبة ولاد البياضين.

 

لكن أعاظم النيران تنطلق دائمًا من مستصغر الشرر، فكان سوء تنفيذ الشعلة اقتصادا للموارد سببًا في انتشار النار بسرعة جنونية في جميع أنحاء الباخرة، لتنهش كبراء عزبة ولاد البياضين عن بكرة أبيهم، لتكون بذلك أول باخرة نيلية تغرق محروقة، ويغرق ركابها بعد أن ماتوا محروقين.

 

وفوق عشش الفقراء كان رد الفعل أعجب، فلم يحرك منهم أحدٌ ساكنًا لمساعدة من في الباخرة، بل ظلوا يتمايلون، ويقفزون كالسكارى من الفرحة، ومع استعار الفرحة في قلوبهم ازدادت الحركة والضجيج، فانهارت بهم العشش ودكت في الأرض دكًا، ومنذ هذا اليوم انقطع نسل قرية ولاد البياضين إلى الأبد، لتظل تلك النهاية الشنيعة سرًا من تلك القرية، التي كانت تناطح كبار القرى من حولها يومًا ما. 

* ترندات وتوباكو هي مقالات في هيئة قصص قصيرة مستوحاة من ترندات فضاء المنصات الاجتماعية ولا تمثل أي شخصيات أو أحداث حقيقية.

logo%20samih%20mabrok2.png
  • White LinkedIn Icon
  • White Facebook Icon
  • White Twitter Icon
  • White Instagram Icon
bottom of page