top of page
لحم على الرصيف
لحم على الرصيف.jpg

سامح مبروك يكتب " لحم على الرصيف " من سلسلة ترندات وتوباكو*.

قبل انتصاف الليل بساعتين اتخذت عفاف طريقا مختصرا لتصل إلى منزلها سريعا لعلها تستطيع أن تظفر بقليل من الراحة قبل بدء دوامها، عفاف تلك المرأة الجميلة التي رسم فيها الزمن أجمل مخطوطاته، فكانت لوحة فنية متكاملة تحمل من الزمن تلك الخطوط المتناسقة والمتضادة والعبقرية، فنحت جسدها بخطوط إنسيابية مفعمة بالتفاصيل الجذابة وحفر في وجهها وعينيها علامات الهم والقهر والظلم والعوز فكانت تحفة يشتاق أعتى الرجال أن يقتنيها وينفر منها في ذات الوقت.

 

ولما كانت طبيعة عملها تتطلب منها اليقظة والابتسامة والمثابرة والفطنة وأيضا حسن المظهر، كانت لحظات الراحة تلك ضرورة وليست رفاهية، وما كان يشغل بالها كيف لها أن تقتنص تلك اللحظات من بيت صغير يعج بسكان تتعلق أقواتهم بذات عملها ولكنهم للأسف لايأبهون به؟ وأثناء عبورها مسرعة من أحد الشوارع الفرعية الهادئة في ذلك الوقت كان ضبش يقف إلى جوار عمود النور ينفث سيجارته ويندب حظه العفن، حظ لازمه واعتنى به للغاية ولم يفارقه منذ ولادته، حظ كان حريص على غرس الفشل في كل خطواته وسكناته، حظ جعل منه شبه مشرد، شبه متعلم، شبه عامل وشبه إنسان.

 

ولما لاحت له عفاف في الأفق وجد فريسته المثلى التي ستشفي جراح ليلته ونهاره، بل عندما نظر إليها في تلك الساعة شعر أنها المنشودة التي قد تطفىء نيران حياته وشهواته المستعرة وما وجد لها من كابح.

وكما يغازل الذئب فريسته تحرك لعله يظفر ببعض من لحمها الأبيض البض.

 

وعلى الطرف المقابل من الطريق كان حسين يمشي بخطوات متثاقلة يحلم باللحظة التي ينتهي فيها يومه هذا على سريره ليختتم يوم جديد لم يحمل سوى الزيف والظلم والقهر والاستغلال من منظوره، كان يحلم بنوم هادئ يحمل عن كاهله بعض أعباء قد أثقلته، ويتمنى أن يفضي إلى فجر ينشق عن شمس تشرق بنور الحق والعدل.

 

تبعه بخطوات مروان الشاب المتمرد الذي كما يصفه أصدقائه، يستبق خطواته في الطريق إلي ذلك المقهى الذي يسميه وأصدقائه وكرا، يسهرون به دوما يتبادلون أحاديث لا تنفع ولا تنقطع عن أمنيات لا تحدث.

 

وبالصدفة كان حسين ومروان على موعد لرؤية هذا المشهد الحيواني الغرائزي الفريد، في وسط الطريق، فانتفض حسين يصيح.

 

حسين: ما انتوا لو بتتقوا ربنا في لبسكوا ماكنتش كلاب السكك نهشتكوا.

 

فلما سمع مروان ما قاله حسين وكان المشهد مازال في عرض لا يتوقف.

مروان: شوف التخلف والرجعية بدل ما تلومه على سلوكه الحيواني الغرائزي بتلومها على حريتها الشخصية.

حسين: ما هو انتوا يا أهل الدياثة يا تجار الفحش يا رعاة البغاء السبب في هذا الانحدار الأخلاقي انت والعلمانين الملحدين من امثالك يا كافر يا نجس.

مروان: انتوا يا دواعش العصر ويا خوارج الأمة والدين السبب في التخلف والرجعية اللي مخليانا في قاع العالم.

 

اندفع حسين نحو مروان في نفس اللحظة التي كان مروان ينحني ليمسك حجرا كبيرا بجواره أمسك مروان بالحجر وهشم به رأس حسين الذي كان يحمل في يده مُدية صغيره كان يحتفظ بها للدفاع عن نفسه، وأثناء اندفاعه أصاب بها أحشاء مروان قبل أن تتهشم رأس حسين.

 

سقط الاثنان على الأرض كل مدرج في دمائه يلفظ أنفاسه الأخيرة، وعلى مرمى البصر كانت عفاف غير آبهة بما حدث عند بداية الطريق، وكانت على موعد مع بضعة جنيهات وسيجارة ملفوفة من ضبش إيذانا بليلة عمل صاخبة جديدة بدون راحة، ليلة قد تطفىء نيران ضبش الثائرة منذ بلوغه وقد تبدل حظه، وتكسب عفاف بضعة جنيهات إضافية يقتات بها أهل بيتها، وزبونا جديدا.

* ترندات وتوباكو هي مقالات في هيئة قصص قصيرة مستوحاة من ترندات فضاء المنصات الاجتماعية ولا تمثل أي شخصيات أو أحداث حقيقية.

  • White LinkedIn Icon
  • White Facebook Icon
  • White Twitter Icon
  • White Instagram Icon
logo%20samih%20mabrok2.png
bottom of page