top of page

طـــالبـــان

طالبان.jpg

سامح مبروك يكتب " طالبان " من سلسلة مقالات ترندات وتوباكو*.

 

١٩٩٠

في أحد أيام شهر أغسطس شديدة الحرارة، وفي تمام الواحدة ظهرًا رن هاتف المنزل بصوته الصاخب وعلى غير العادة في مثل هذا الوقت من اليوم كان الحاج سعيد في المنزل يتلوى وزوجته على جمر القلق والتوتر، فهو يدرك جيدًا كيف وصل حال زوجته من إنهاك بالغ وأرق وصل حد المرض من هم الانتظار والخوف، قام الحاج سعيد ليرفع سماعة الهاتف ليجد في الطرف الآخر صوت رخيم يتحدث:

  • مساء الخير، دا منزل الطالب محمود سعيد إبراهيم؟

  •  مساء النور أيوه يا افندم أنا والده.

  • ألف مبروك يا حاج سعيد، أنا وزير التربية والتعليم، ابنك محمود من أوائل الثانوية العامة بمجموع ٩٣٪ ألف مبروك.

 

وكأن الزمن توقف عند هذه اللحظة من فرط البهجة، فقد كان يوم الحصاد، حصاد جهود استدامت أعوامًا من الكد والجهد وها هي تكلل اليوم بنجاح ليس كمثله نجاح، انطلقت أم محمود في الزغاريد وسجد الحاج سعيد لله شكرًا وفرحًا، واجتمع الجيران يهنئون مبتهجين.

 

انطلق محمود كالسهم يتسلق السلم المؤدي للطابق الأخير حيث يسكن صديق عمره وزميله حسين، اقتحم محمود غرفة حسين دون استئذان كما كانت عادته منذ سنين والفرحة تغمره والفخر يكسو ملامحه، ليجد حسين على سريره جالسًا وضع القرفصاء دافنًا رأسه بين ركبتيه ومن جواره أمه تحاول أن تواسيه دون أن تستطيع أن تمسك لجام أنهار من دموع سالت من عينيها، فتسمر محمود في مكانه وقبل أن يتساءل عما حدث سبقته أم حسين:

  • مبروك يا محمود انا سامعه الزغاريد من عندكوا يا حبيبي 

  • الله يبارك في حضرتك يا طنط، ماله حسين؟

  • انت جبت كام يا محمود؟

  • انا طلعت من العشرة الأوائل الحمد لله يا طنط وجبت ٩٣٪ والوزير لسه مكلم بابا.

  • الف مبروك يا حبيبي، ما حسين كمان طلع بردو من الأوائل وأبوه لسه جايب النتيجة الكنترول ومبلغنا.

  • بجد يا طنط أومال ليه زعلان؟

  • أيوه يا حبيبي من الأوائل أومال إيه؟ بس من ورا جاب ٥٢٪، الحمد لله على كل حال.

 

١٩٩٦

كعادته أتم محمود دراسته في كلية الهندسة بتفوق باهر، فقد كانت حرفته الحفظ والمذاكرة، كان دومًا في مقدمة زملائه وهيأ نفسه ليكون أحد أعضاء طاقم التدريس عند تخرجه، ومن غيره يستحق مثل هذا الشرف وهو الوحيد من دفعته الذي كان من أوائل الثانوية العامة، ولكن كما هي العادة أخذت مكانه بنت أحد الأساتذة في الكلية، هاج وماج وذهب للشرطة والقضاء والأضرحة والموالد طلبًا في حقه دون مجيب، حاول في السنة التالية من التخرج تجاوز الصدمة والعمل كأي خريج ولكن عزة نفسه منعته من التأقلم، ولم يجد ملجأ لهمومه إلا في المسجد، لعل الله يجد له حلًا من عليائه.

 

ولكن في هذا الوقت لم تكن تخلو بعض المساجد ممن يبثون سمومهم في عقول الشباب تحت شعار الجهاد، فاستهوت الفكرة قلب محمود المحطم، وفي ذات العام كانت حركة طالبان قد فرضت سيطرتها على أفغانستان معلنة إيها دولة خلافة إسلامية، وكان نجم تنظيم القاعدة الجهادي بدأ في البزوغ في ذات الوقت مروجًا لأعوانه أنه تنظيم الجهاد ونصرة الإسلام، ملأت تلك الأفكار قلب وعقل محمود بعد أن كانا خاويان مكسوران مما شعر به من ظلم وقهر، فلملم ملابسه وسرق بضعة آلالف من الجنيهات من دولاب أمه وبمساعدة أحد رفقائه الجدد في المسجد هرب إلى أفغانستان ليترك أبويه فريسة للحزن والقهر والمرض.

 

قبل ذلك بعامين كان حسين قد تخرج بتقدير مقبول من كلية الحقوق، وبعد أن تعرف على فتاة أمريكية من خلال أحد برامج المراسلة التي انتشرت حديثًا في ذلك الوقت، ومن حصاد عمله في الأجازات السنوية، استقبل دعوة زيارة من تلك الفتاة وشق طريقه للولايات المتحدة الأمريكية، ليتزوج الفتاة وتجنس بالجنسية الأمريكية ووجد ضالته في العمل بالشرطة الأمريكية ومنها إلى الإف بي آي.

٢٠٢١

في أحد أيام شهر أغسطس شديدة الحرارة، وفي إحدى الكهوف المجهولة بقندهار في أفغانستان، رن الهاتف الجوال المربوط على الأقمار الصناعية رنة غير معهودة، وعلى الشاشة ظهر أن المتصل مجهول فضغط زر الإجابة بتردد وقال:

  • سلام

  • محمود إزيك؟ عاش من سمع صوتك يا راجل، والله واحشني.

  • مين معايا؟

  • يخونك العيش والملح يا راجل؟ حبيبك الأول من ورا.

  • حسين؟ انت بتتكلم منين ووصلت لي إزاي؟

  • يا حبيبي انت نار على علم، سُمعتك واصلة أوي هنا، يا ابني دا انت من أوائل الإرهابيين في العالم دلوقتي، يخرب عقلك يا محمود منين تكون لازم تكون من الأوائل، تعرف إنهم اختاروني للمكان دا بالذات عشان اقدر اتواصل معاك وأكلمك.

  • إرهابيين إيه ياعم انت بتلبسني؟ مكان إيه اللي بتكلمني منه؟ انت متصل تشتغلني؟

  • يا معلم انت كده كدا لابس،  أنا في أمريكا وبشتغل في جهاز حساس جدًا، ومسؤول عن التواصل مع العملاء في العالم الإسلامي، وطبعًا هما هنا متابعينك من فترة طويلة وعارفين انك في قمة هرم التنظيم بتاعكم دلوقتي وعلى علاقة وطيدة بطالبان.

  • ما شاء الله، دا أنا كده وصلت بجد، بس أومال فين "مارك" اللي كان بيتواصل معايا قبلك؟

  • أنا مسكت مكانه، وما تتخيلش يا معلم فرحت قد إيه لما عرفت إننا هنرجع نتكلم تاني ونشتغل كمان.

  • يا راجل؟ مش مصدق بجد إني بسمع صوتك بعد السنين دي كلها.

  • وكمان يا معلم أحب أبلغك خبر هيفرحك واعتبره عربون صداقة جديدة، إحنا قررنا إن أصدقاءك في طالبان يرجعوا لحكم أفغانستان من جديد، ألف مبروك.

* ترندات وتوباكو هي مقالات في هيئة قصص قصيرة مستوحاة من ترندات فضاء المنصات الاجتماعية ولا تمثل أي شخصيات أو أحداث حقيقية.

  • White LinkedIn Icon
  • White Facebook Icon
  • White Twitter Icon
  • White Instagram Icon
logo%20samih%20mabrok2.png
bottom of page